خلال فعالية أثر النزاعات المسلحة على حقوق الإنسان .. تأكيد على حاجة النظام الدولي لإصلاحات بنيوية
التئمت بقصر الأمم بجنيف الحدث الجانبي الذي نظمته المنظمة العربية لحقوق الإنسان على هامش فعاليات الدورة ٥٧ لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، والتي تناولت الأثر المدمر للنزاعات على وضعية حقوق الإنسان في المنطقة العربية نهار الأول من أكتوبر/تشرين أول ٢٠٢٤.
أدار النقاشات الأستاذ محمد راضي المدير التنفيذي للمنظمة، وتحدث خلالها الأستاذ علاء شلبي رئيس المنظمة، والأستاذ ضياء الشمري عضو مجلس الأمناء، والأستاذ عصام شيحة عضو مجلس الأمناء، والمهندس عمر المسالمة أمين عام فرع المنظمة في شمال أوروبا.
وفي مداخلته، أشار رئيس المنظمة إلى الكارثة المحققة التي يتوقعها الإقليم ما لم يتم وقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان، والتي من شأنها أن تقوض السلم والأمن الدوليين، لا سيما بالنظر إلى تعدد الصراعات في الإقليم، والحرب الجارية في أوكرانيا، والتوترات العالمية الأخرى.
ونوه شلبي بقيام المنظمة قبل أربعة أيام بتقديم ملف توثيقي متكامل يتضمن توثيق شهادات جرحى العدوان الإسرائيلي الذين يتلقون الرعاية الطبية في مستشفيات جمهورية مصر العربية، والتي قامت بها بعثة تحقيق مشتركة من كل من المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومركز الميزان لحقوق الإنسان بفلسطين المحتلة خلال الفترة من فبراير/شباط إلى يونيو/حزيران ٢٠٢٤، وهي البعثة التي ستواصل عملها خلال الأسابيع المقبلة.
وبينما عدد شلبي بواعث القلق التي عبرت عنها المنظمة لمسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، فقد أشار إلى السخط الحقوقي الواسع تجاه مجادلة بعض الدول الغربية أمام الغرفة التمهيدية للمحكمة ضد طلبات المدعي العام للمحكمة لتوقيف المشتبه فيهم.
ولفت شلبي إلى أن استخدام الإدارة الأمريكية المتكرر لحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن أدى لتقويض دور المجلس في حفظ السلم والأمن الدوليين، وخاصة تعطيل مجلس الأمن عن الاضطلاع بمسؤولياته في إنفاذ قرارات محكمة العدل الدولية في ٢٦ يناير/كانون ثان ٢٠٢٤، رغم التزام كافة الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها بالتحرك جماعيا و/أو فرديا لمنع استمرار وقوع جريمة الإبادة الجماعي المحتملة.
وأضاف شلبي أن موقف الدول الغربية التي تقدم نفسها كدول نموذج للحريات وحقوق الإنسان من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية والفظاعات الإسرائيلية قد أدى إلى إضعاف الإيمان بحقوق الإنسان عبر العالم، منوها بأن الزعم بحق الاحتلال الإسرائيلي في الدفاع عن النفس هو تقويض للقانون الدولي الذي يقضي بإلزامية إنهاء الاحتلال.
وختم شلبي بالحاجة إلى إجراء إصلاحات هيكلية وبنيوية لمعالجة الاختلالات في النظام الدولي، وضمان الالتزام بمعايير القانون الدولي، والقدرة على إنفاذ القرارات الدولية، وخاصة حماية حقوق الشعوب وحفظ السلم الدولي.
وفي مداخلته، أشار الخبير الحقوقي العراقي الأستاذ ضياء الشمري إلى تفاقم تدهور حقوق الإنسان في العراق عقب الاحتلال الأمريكي وجرائمه في ٢٠٠٣، وإشعاله نيران الصراع الإثني في ٢٠٠٦، ومنح الفرصة للإرهاب على نحو ما جرى مع تنظيم “داعش” الإرهابي، ثم ظهور مؤسسات وميليشيات موازية للدولة، وصولا إلى ثورة تشرين ٢٠١٩ التي جرى قمعها بعنف من قوى الفساد السياسي والاقتصادي، ويبقى في البلاد نحو ٨ آلاف ينتظرون تنفيذ أحكام نهائية بالإعدام.
وحذر الشمري من انكفاء مسار الإصلاحات الحالي، في ظل الحاجة لإجراء إصلاحات جذرية، ومنها إنهاء الحصانة ومنع الإفلات من العقاب، وتوافر رقابة قضائية قادرة وراغبة على المؤسسات، وضمان سيادة القانون.
وفي مداخلته، تناول الخبير الحقوقي السوري المهندس عمر المسالمة الوضع الإنساني الكارثي في سورية مقارنة بما يحدث في فلسطين ولبنان والعراق، فرغم أنه يختلف من حيث بدايته، فما جرى هو ثورة سلمية شعبية تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، قابلها النظام السياسي الحاكم بعنف مفرط واستدعى قوى أجنبية حليفة له، وانغمست قوى إقليمية ودولية أخرى منافسة، مما أدى إلى نشوء طيف واسع من المجموعات والفرق المسلحة ذات التوجهات الأديولوجية المتطرفة أو الإرهابية أو الانفصالية ، والانزلاق إلى حرب أهلية بالوكالة، إلا أنها تتشابه من حيث نتائجها الكارثية . حيث فرّ أكثر من 6 مليون لاجئ و تم تهجير أكثر من 7 مليون آخرين، و ارتقاء نحو 550,000 ضحية، وبقاء عشرات الآلاف رهن الاعتقال والاختفاء القسري لما يقارب 15,000 مواطن، إضافة إلى تدهور حالة الاقتصاد السوري و تحوله لاقتصاد حرب قائم على الجريمة المنظمة كتجارة البشر والأعضاء والسلاح والمخدرات، وانعكاس ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة و العالم، خاصة مع استمرار غياب التوافق الدولي والإقليمي على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي وضع خارطة طريق لحل الأزمة السورية بشكل آمن وسلس، و والتمهيد لعودة آمنة و طوعية للاجئين، وإعادة الإعمار و تحقيق العدالة الانتقالية، وهي من أبرز التحديات المستقبلية التي ستواجه هيئة الحكم الانتقالية.
وقال المسالمة بأنه بلا شك فإن تردي حالة حقوق الإنسان في المنطقة العربية وسورية سيؤدي إلى تردي حالة حقوق الانسان في العالم، حيث أدت موجات اللاجئين المتلاحقة إلى تنامي الخطاب السياسي و الإعلامي العنصري في اوروبا، و صعود قوى اليمين المتطرف للسلطة، و ما ترتب على ذلك من مجموعة من الإجراءات التمييزية بحق اللاجئين والأجانب والتضييق المنهجي على حق التظاهر والتجمع السلمي لأنصار فلسطين، بما يمكن اعتباره خطوة كبيرة للوراء لحالة حقوق الإنسان في دول شمال أوروبا.
وفي مداخلته، أشار الأستاذ عصام شيحة إلى تداعيات الصراعات المسلحة في ثلث بلدان المنطقة على البلدان الاي لا تزال تنعم بالاستقرار، ومن أهمها استهداف جماعات الإرهاب في بلدان النزاعات لاستقرار البلدان المستقرة، ودفع سلطات البلدان المستقرة نحو التشدد والتغول على ضمانات حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب، وتأثير الإرهاب على معدلات التنمية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نتيجة المخاوف الأمنية ونتيجة لزيادة الإنفاق العام على التسلح وخدمات الأمن، ودور الاضطراب في تحويل بلدان الاستقرار إلى دول مقصد للاجئين ودول معبر للهجرة غير الشرعية.
وضرب شيحة مثالا بالحالة المصرية التي عانت لسنوات من الإرهاب، وتعاني حاليا من كثافة ضخمة في اللجوء من بلدان الجوار العربية والأفريقية.
***